يعتبر التخطيط عملية مستمرة وديناميكية، ووظيفة
من وظائف الإدارة في أي مؤسسة تربوية تتعلق بإعداد الخطط وتنفيذها ومراقبة عمليات
التنفيذ وتقييمها، وتشمل عدد من الخطوات أو المراحل التي تحدث في ترتيب وتنظيم
معين عبر وقت محدد (الجبوري، السقا، 2015، 2015).
وحيث أن التخطيط ليس شعارًا يرفع فقط، ولا
رياضة فكرية للمخطط، وليس عملية آلية ثابتة مستقرة، بل يتأثر بالظروف المكانية
والزمانية والبشرية، ولا يمكن قيامه بدون التحليل لهذه الظروف والتكيف معها؛ فهو
معرض للفشل ما لم يراع المتطلبات الضرورية ويتكيف مع الظروف المؤثرة. لذلك أردت أن
ألقي الضوء على المواصفات التي تدعم عملية التخطيط التربوي، وتساهم في نجاحها
وفعاليتها رجوعًا إلى بعض الأدبيات في هذا المجال.
الصفة الأولى: الواقعية:
بمعنى أن يبدأ التخطيط من الواقع وإمكاناته
لتحويله إلى وضع جديد، ويقصد بذلك أن يؤخذ الوضع القائم في المؤسسة التربوية في
الاعتبار والاحتياجات والامكانيات الفعلية، ووضع الخطط على أساس التقدير الواقعي
والحقيقي للأهداف والفئات المستهدفة، والبعد عن المثالية لأنها تتعارض مع الموارد
والامكانيات والحاجات، وللواقعية في التخطيط أبعاد:
أ.
بعد ثقافي: ويشمل ثقافة المجتمع وثقافة البيئة المحلية بعاداتها
وتقاليدها وقيمها ومعتقداتها.
ب.
بعد اقتصادي: ويشمل المستوى الاقتصادي والاجتماعي للتلاميذ وأولياء
الأمور الإمكانيات المادية للمجتمع والبيئة.
ج.
بعد سياسي: ويعكس أسلوب الحكم المتبع، وما إذا كان يتخذ الديمقراطية
أسلوبًا له أم أنه استبدادي يؤثر على المدرسة (السقا، 2015).
وحيث أن نقطة البداية في التخطيط التربوي هي
دراسة الواقع بجمع البيانات وتوفير الاحصائيات الحديثة عن الميدان التربوي،
والاجتماعي، والاقتصادي؛ فلا بد من وجود نظام احصائي دقيق وسريع وشامل سواءً كان فرعًا
في المؤسسة أو كان مؤسسة ً إحصائية مستقلة توفر البيانات التربوية الواقعية
المطلوبة لعملية التخطيط، وكلما كانت البيانات أكثر دقة وحداثة، كلما كانت الخطط
أكثر واقعية، واذا أحسن استخدام هذه البيانات فيمكن ان توفر الموضوعية والمنهجية
العلمية في مسار العملية التخطيطية، وفي حال غياب البيانات التي توفرها النظم
الإحصائية؛ فهذا يعني المنهج التقليدي والاسلوب العشوائي في كل ما يتعلق بمسار
العملية التخطيطية (الجبوري، سمنودي، 2010،
2010).
الصفة الثانية: العقلانية:
فعملية التخطيط التربوي تستند على المنطق
والعقل والتفكير بالمستقبل ليتم وضع القرارات واتخاذ التدابير باستخدام الإمكانات
المتاحة ما أمكن (العازمي، 2014).
الصفة الثالثة: المرونة:
أشار Kemp (1971) إلى أهمية اتصاف
الخطط التعليمية بالمرونة في جميع خطواتها لا سيما في مرحلة صياغة الأهداف،
واختيار المحتوى والخبرات والأنشطة. وأفادت السقا (2015) بوجوب توافر درجة من
المرونة في الخطط بحيث يمكن تعديلها حسب الظروف لتناسب التغيرات المختلفة بدون نقص
في الفاعلية أو خسائر في الموارد، وضعف خاصية المرونة.
كما أشار العازمي (2014) إلى أهمية اتصاف
المخطط التربوي الناجح بالدينامية، فلابد أن تخضع الخطة التربوية الناجحة لعمليتي
التعديل والتغيير في إطار أهداف مرسومة وفق ما يريد المخططون من نتائج، ولذلك لابد
أن يكون مرنًا دائما.
الصفة الرابعة: المشاركة مع التكاملية:
ذكر الجبوري (2010) بأن التخطيط الناجح
يحتاج إلى مشاركة وتعاون بين كل الأطراف المؤثرة في المؤسسة مع اعتماد مبدأ
التضامنية والتشاركية في المسؤولية بين الجميع ممن يعملون في المؤسسة بصرف النظر
عن مواقعهم القيادية أو الإدارية.
ولضمان شمولية الخطط ومناسبتها للمجتمع
وقابليتها للتطبيق فلا بد من أن يكون التخطيط عملية تعاونية تشاركية باشراك ذوي
الخبرات من مختلف التخصصات، وكل فئات المجتمع لأنهم هم أصحاب المصلحة الأولى في
التخطيط وبالتالي هم الأقدر على فهم احتياجات التخطيط حيث بات مؤكدًا أن المخططين
الفنيين مهما بلغت مهاراتهم وعلمهم فلن يتمكنوا من تحديد الحاجات والأهداف
الأساسية (السقا، 2015).
كما نادت الاتجاهات الحديثة في التخطيط
التربوي بضرورة اشراك منفذي الخطة في وضعها، لكي يستفاد بما لديهم من تغذية راجعة
وملحوظات ميدانية لا تتوافر لدى غيرهم من المخططين وصانعي القرارات، ففي حال عدم
اشراكهم سيتسم التخطيط بطابع مركزي يتركز عند قمة الهرم التخطيطي مما يحول دون
الاستخدام الأمثل للعناصر البشرية في قاعدة النظام التربوي (سمنودي، 2010).
وبحسب الجبوري (2010) فإن المشكلات التي
تواجه العديد من النظم التعليمية غالبًا ما تكون متشعبة ومتداخلة وتتطلب اتصاف
النظم بالديمقراطية التي تؤمن بالرأي والرأي الآخر، وتهتم بالحوار والمناقشة
والاستشارة والاجماع، وتتمتع بفكرٍ منفتح ومسؤولية تضامنية لتؤدي عملًا يتصف
بالإبداع في حل المشكلة من خلال عملية التخطيط.
الصفة الخامسة: الشمول:
ويعني ذلك أن يشمل التخطيط مستويات العمل
بقطاعاته المختلفة، ومدى علاقة كل جزء من أجزائه بالآخر وتأثره به وتأثيره فيه،
والالمام بكل جزئيات العمل دون تفضيل جزء على الآخر؛ فالمجتمع كل لا يتجزأ،
والتجزئة تحدث فجوات تؤثر على عملية النجاح، فالتخطيط الذي يهتم بالجانب الاقتصادي
مثلًا ويهمل الجوانب الاجتماعية والبشرية يُعد قاصرًا لا يحقق أهدافه ولا يصل
بالمؤسسة للتنمية الشاملة (السقا، 2014).
الصفة السادسة: الاستمرارية:
التخطيط من الوظائف المستمرة طوال حياة
المنظمة، فالمنظمات تعمل في ظروف غير ساكنة وتتسم بالتغير والديناميكية، كذلك فإن
الظروف التي أخذت في الاعتبار عند وضع الخطط السابقة قد تتغير، وذلك يتطلب استمرار
التخطيط بالمراجعة وتقديم الخطط البديلة لمواجهة المواقف الجديدة. لذا وجب أن تكون
عملية التخطيط عملية مستمرة لا تنتهي بوضع الخطة، ووجب أن يكون التخطيط سلسلة
مترابطة من العمليات المتداخلة التي لا تنقطع فيكون للتخطيط دورة تتكامل فيها
البدايات مع النهايات (المرجع السابق، 2014).
الصفة السابعة: مركزية التخطيط ولا مركزية التنفيذ:
بحسب عيدروس وأحمد (2011) فإن التخطيط
التعليمي يحدد ما يجب عمله في ضوء الأهداف المراد تحقيقها، كما يبين كيفية تنفيذ
العمل، ومن الذي سيقوم به، والمدى الزمني المطلوب للإنجاز، والمركزية في التخطيط
والقرار تعني أن تقوم الهيئات المركزية بالتخطيط واتخاذ القرارات ورسم الخطوط التي
تتم طبقًا لها إجراءات التنفيذ الذي يوكل بطبيعة الحال إلى المؤسسات التعليمية
التي تقوم بالتنفيذ عن طريق توزيع المهام بين العاملين فيها.
.................................................
ختامًا
بالإضافة إلى ما سبق مما تم جمعه من
مواصفاتٍ للتخطيط التربوي الفعال؛ فإن التخطيط التربوي يواجه عوائق جمَّة تحول دون
فعاليته وإسفاره عن نتائج مرضية وذلك لكونه عملية متعددة الخطوات، وتستلزم تكاتف
عدد من الجهات والأفراد لإنتاج خططها وتنفيذها، مما يجعله عملية حساسة تتأثر بأي
خلل بسيط في مقوماتها أو خطواتها وبالتالي حدوث الخلل في النتائج المرجوة منها. وأعتقد
إن النظر في العوائق للتخطيط الاستراتيجي داخل أي مؤسسة، ومحاولة تذليلها أمر لازم
للوصول بالتخطيط الاستراتيجي لهذه المؤسسة إلى مستوى الفعالية.
المراجع
الجبوري، حسين. (2010). التخطيط الاستراتيجي في التعليم تخطيط معاصر في عالم
متجدد. بغداد، العراق: الدار العربية للعلوم.
السقا، امتثال أحمد. (2015). أساسيات التخطيط التربوي. عمًان -
الاردن: دار المسيرة.
سمنودي، صباح إبراهيم عبد الحليم. (2010). التخطيط الإداري التربوي
في المجال التعليمي في ضوء الاتجاهات التربوية المعاصرة. دراسات عربية في
التربية وعلم النفس: رابطة التربويين العرب، 4، ع 3، 53 - 71. مسترجع من: https://search.mandumah.com/Record/104622
العازمي، صالح ارشيد فالح، والخوالدة، تيسير
محمد. (2014). درجة امتلاك مديري مدارس دولة الكويت لمهارات التخطيط التربوي
الفعال (رسالة ماجستير غير منشورة). جامعة آل البيت، المفرق. مسترجع من: https://search.mandumah.com/Record/856787
عيدروس،أحمد نجم الدين، ومحمد، أشرف محمود. (2011). الإدارة التربوية بين
العلمية والمهنية والمستقبلية. جدة: خوارزم العلمية.
كمب، ج. إ. (1987). تصميم البرامج التعليمية، (ترجمة أحمد خيري كاظم). بيروت،
لبنان: دار النهضة العربية. (العمل الأصلي نشر عام 1971).
مواصفات التخطيط التربوي الفعال
تمت مراجعته من قبل Norah Al-Jebreen
في
3/24/2020
تقييم:
موضوع مهتم للتربوين ، اتمنى اضافة بعض نماذج التخطيط الاستراتيجي
ردحذفلعل النماذج يفرد لها موضوع مستقل
حذفموضوع رائع حيث تم الاستزادة منه في اهم الصفات التي تدعم التخطيط ،كالعادة ابداع رائع وطرح يستحق المتابعة شكراً لك بانتظار الجديد القادم دمت بكل خير
ردحذف