نشأة علم الأندراغوجيا

نشأة علم الأندراغوجيا

     التعلم المستمر مدى الحياة ضرورة لا يختلف عليها عاقلان، لاسيما في العصر الراهن المتسم بالتطور المتسارع، وتطور التكنولوجيا، والعولمة المعلوماتية التي أدت إلى الانفجار المعرفي الهائل الذي نشهده حاليًا؛ فأصبحت المعلومات والمهارات الشخصية تتقادم بشكل سريع ومذهل، مما يدفع الاشخاص الفاعلين في المجتمع للانخراط في التعليم المستمر بأي شكل أو نمط من أنماطه ليحافظوا على مراكزهم وليطوروا من مؤسساتهم المجتمعية.

     ومع تعاظم الحاجة للتعليم المستمر، وتعدد أنماطه وتنوعها، وتميز متعلميه (الكبار) بخصائص تميزهم عن المتعلمين الصغار الدارسين في التعلم النظامي؛ لزم التخصص بهذا العلم (علم تعليم الكبار: الأندراغوجيا) لفهم أسراره، وتنظيم خدماته، وتقنين أنماطه وطرقه، وتطويره، وتفعيله مجتمعيًا، وتيسير الحصول عليه بطرح المبادرات والمناشط الاجتماعية المختلفة التي تساعد أفراد المجتمع على استمرار التعلم خدمة لأنفسهم ومجتمعاتهم.

     وقد فطن الفلاسفة والعلماء عبر التاريخ، وقبلهم الرسل والأنبياء -بتوجيه الخالق العليم سبحانه- بأهمية هذا التخصص، وقاموا بإجراء الدراسات العلمية، وأصدروا المنشورات والكتب الشارحة لمفهومه ومبادئه وأسسه.

     فقبل نشأة مصطلح الأندراغوجيا (ويعني علم تعليم الكبار)؛ وُجد في العصور الغابرة اهتمام بتعليم الكبار بشكل أو بآخر، وما رسالة الرسل والأنبياء إلا أحد الصور الجليَّة للاهتمام بهذا الصنف الحيوي من التعليم.

     على صعيد آخر؛ فكلًا من أكاديمية أفلاطون، ومعهد أرسطو كانتا مؤسستين لتعليم الكبار، وقد استخدم كلاهما الحوار والأمثال وما يعرف اليوم بـ "أنشطة التعلم القائمة على حل المشكلات"، وكذلك كان ديدن المعلمين الصينيين، والعبرانيين، والمسيحيين.

     وفي عشرينات القرن العشرين ألف ثورانديك وآخرون كتابًا بعنوان "تعلّم الكبار"، وكان أول مادة يتم نشرها في تلك الفترة لتتناول الدراسات العلمية التي ركزت على المتعلمين الكبار، بدلًا من التركيز على الأطفال.

     وفي نفس الفترة، وتزامنًا مع تأسيس الجمعية الأمريكية لتعليم الكبار؛ ألف ليندمان كتاب قيّم بعنوان "الغاية من تعليم الكبار في الولايات المتحدة"، فيرى ليندمان أن تجربة المتعلم هي القيمة العليا في تعليم الكبار، ويقترح أن يتم بناء تعلم الكبار على أساس من الحاجات والاهتمامات للكبير.

     استمر اعتماد معلمي الكبار على دراسات ليندمان وغيره من الفلاسفة الاجتماعيين حتى سبعينيات القرن العشرين، حيث ظهر مؤلفان أحدهما "العقل المستفسر" للباحث "هول"، والآخر "مشاريع تعلم الكبار" للباحث "تاف". وكلا الكتابين تحدثا عن دراستين استوضحتا دوافع الكبار للتعلم.

     بدأ التنظير في فن تعليم الكبار على يد العالم مالكوم نولز، فبحلول العام 1970 كان نولز قد نشر كتاب "الممارسة الحديثة لتعليم الكبار: فن تعليم الكبار(الأندراغوجيا) مقارنة بأصول تدريس الصغار(البيداغوجيا)"؛ واضعًا الصيغة المنهجية الأولى لتحديد الاختلافات بين المتعلمين الأطفال والكبار.

     بقي أن نذكر أن علم الاندراغوجيا ساهم في تطوير مجال تعليم الكبار في وقت كان فيه معلمو الكبار يناضلون من أجل اثبات هويتهم الخاصة التي تميزهم عن معلمي الأطفال. كما ساعد على اضفاء الطابع الاحترافي على مجال تعليم الكبار من خلال انشاء قاعدة معرفية تميز المتعلمين الكبار. انتهى،،

المرجع:

Sharan B. Merriam & Laura L. Bierema. (2014). Adult Learning: Linking Theory and Practice. San Francisco, CA: Jossey-Bass (Wiley).